همسات بين عاشق الأرواح وابن الرومي

ركبنا الباخرة في الميناء
لأول مرة نفارق اليابسة
لأول مرة أبوح وأحكي بغير لساني

في الصدر كبريت وحطب
في الصدر جمر وبارود وغضب
البحر يهامسني بأمواجه ليعيد لي الأمل
لكن

اليوم أدفن في قلبي وفي كبدي رفات الليالي الملاح
لأصرخ :
أنا التائه في أسواق فاس والقيروان
في بيروت الغجرية وعمان
أنا البحر أنا الغموض
أنا الاتي من صفحات الصفر البالية
من الزمن من الرفوف
كنت حرفا تائها معلقا منثورا
فوق جبل الزمن

جئتكم كدفقة نور
كموجة صوت
كليل يمطر أقمارا ونجوما ساطعات

يداي فارغتان إلا من ظلال
ظلال تعيش بغير نبض
وأشباح تعيش بغير أنفاس
ثروتي أطياف
خيال
تحركها قضبان خفية
وقناديل وشموع
ترسم بالنور ظلالا شبه حية
لن أطالبكم بشيء أكثر من الصمت

وأخيرا وصلنا إلى الجزيرة
لا أرى إلا السواد
ظلمة القبر
الأبيض يذكرني بالشيب
و الكفن
والأحمر
يذكرني بالجراح
والأصفر
يذكرني بالسقم

أنزلت الحقيبة
ويداي ترتعشان
رميت بكل أوراقي في الميناء
أنا المجهول إذن
أنا التائه
أنا عاشق الأرواح

هل فقدت كل شيء ؟
الحب
الأمل
المستقبل
الشمس
آه
يالها من آهة
إنه الخوف
إنه الضياع

في العين أراه سؤالا بحجم السماء
وفي القلب يا سادتي أقرأه
أرى الفراشات والطيور
حتى النجوم تطير أيضا
لقد أصبحت لها أجنحة وردية
أبسط كفي لتمتلئ نجوما
وأقمارا وورودا

يــــــــــاه
كل شيء أمسكه يتحول وردا وزهرا
حتى الحجر .. حتى التراب
حتى أغصان الشجر والأوراق والثمار

قلبي أسيرك يا حبيبتي
من قبل ان يخلق القيد
أشيري علي أي لون أختار ؟
وأي عطر أنتقي ؟

عشقتك قبل أن تكون الألوان
حين أراك لا أرى شيئا سواك
في حضرتك تختفي الأشياء
إلا أنت يا حبيبتي
شفافة كالنور
كالضياء
كغمامة وردية صافية
كالنبع بلا لون بلا ظل
أهواك أنا
وإن كنت حلما

عذرك يا ابن الرومي
ولكنك تعبر عني
فدعني آخذ منك ما غاب عني
حتى يسترسل الكلام
المهم ألا تبقى هكذا " يقول ابن الرومي "
لا تقلق علي وامنحني رفقتك

أنظر إلى فوق
فأرى السماء بعيدة
بعيدة جدا
اريد أن أصعد
ويلقي إلي القمر بالسلالم
ويقول لي إصعد
ولم أصعد
ترددت واستغرق التردد دهرا
وكان أن تمزقت الحبال والسلالم
وبقيت في الوحل

عيوني تهرب من أرجلي يا حبيبتي
تهرب من قدري
أبحث عن الحدائق
إنها بالقرب مني
على بعد خطوة فقط
أو ربما أقل
من يدري ؟

أراك محاطة بالزجاج
على أبوابك السبعة
حراس من الجن
إنهم يحرسونك يا حبيبتي
لا أحد يقترب
المنطقة ملغومة
محاطة بسياج مكهرب

إنني أحس بالخوف وحدي
أحس بالموت
من غيرك لا أسنطيع شيئا
وهل للعاشق حق الاختيار

من أرض مغرب جئت بالعشق نديا
نجمك التائه في رحم السماء
والليل والقمر الأشقر
ملك يدي
أكتب الحرف وتقرئين
أرحل في عين غمامة
أذوب نورا ثم تمطرني
أنا في الأصل غمامة

لا أحد يفهم شيئا في هذه الدنيا
أنت وحدك من يعرف الناس وخبثهم
وحدك رحلت إلى المدن المالحة
وبنيت بغير طوب ولا حجر غرفة درس
وعلمت الأسماك أصول السباحة

احترقت بنار الشوق الأزرق
فقدت وزني
تبخرت
تحررت من نعلي وقميصي
ومن بقايا الموت والأكفان
وأعطيت دروسا للطيور المهاجرة
علمتها كيف يكون الطيران

أعجبتك كلماتي من غير شك
إني أقرأ الإستحسان في عينيك
ولكن ابن الرومي تحدث على لساني
فقد صرت ملك النسيان
وما زلت ابحث عن مرسى يقبلني
لأنعم بشاطئ الأمان